جريمة جرش د. إياد قنيبي مع زحمة الأخبار والمشاغل سمعت عن جريمة جرش متأخراً. ولمن لا يعرف، فباختصار رجل مجرم أقدم على إفقاد زوجته البصر كلياً عن عمد وبطريقة وحشية. وأنا لا أحب أن أذكر التفاصيل لأنها مؤذية جدا وقد ترفع سقف الإجرام لدى الناس في سورات الغضب. لكن حقيقة لما سمعت التفاصيل أصابني غم وحزن وقلت لا بد أن نقف وقفة مع مثل هذه الحادثة ونذكر بأمور حتى لا تتكرر هذه البشاعات: بداية إخواني: حسن اختيار الزوج..قول النبي صلى الله عليه وسلم والذي نحفظه جميعا: (إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه)..إذاً فالمعيار الدين والخلق، مش ابن عمها ولا قريبها ولا غيره…ثم صاحب الدين والخلق تتساهل معه المرأة وأهلها في الناحية المادية. ثانياً: نساء متزوجات ووقعت الفاس بالراس وما كان صاحب دين ولا خلق بل تبين أنه رجل فاسق مجرم لا يخاف الله في زوجته. هل يقول الأهل للزوجة اصبري عليه؟ بلاش تترمي بالشارع؟ تحمليه وبعدين الله بيهديه؟ هل مطلوب من الزوجة أن تصبر على زوج هذا حاله؟ لا طبعاً..بل هذا ظلم لها، ويجب السعي في التفريق بينهما. فرق بين رجل يخاف الله لكن عنده حدة أحياناً، يُذَكر بالله فيتذكر، يُنصح فيَنْتَصِح..مهما قسا فَلِقَسوته حد، هناك دين يرده، هناك خلق يردعه.. وفي المقابل رجل مجرم عديم الرحمة. هذا لا يقال للزوجة اصبري عليه! ولا يقال اصبري عشان الأولاد..رؤية الأولاد لأب سيئ الخلق فاجر في التعامل مع أمهم أسوأ تربوياً من عيشهم بين مطلقَين. طيب لماذا يستصعب الناس الطلاق جدا؟ هذا ينقلنا للنقطة الثالثة: ألا وهي موقف المجتمع السلبي جدا من الطلاق والمطلقة. النظرة الدونية للمطلقة، والتي هي بخلاف شريعتنا. كان يحدث طلاق في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ثم تتزوج المطلقات، وتزوج نبينا زينب وهي مطلقة. فمن الظلم والجهل النظر للمطلقة نظرة دونية. وهذا بشكل عام، أن هناك علاقات أسرية الحل في إنهائها..يأتي الأمر الرباني: (فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان)…طيب لما يكون الناس مطيعين لله بالفعل ماذا يحصل بعدها: (وإن يتفرقا يُغن الله كلا من سَعَتِه)…ولا توجد هذه العقد التي جاءت بها الجاهلية الجديدة في تجريم الطلاق و ظلم المطلقة. النقطة الرابعة يا كرام: هي أننا نسمع بعض الناس يقولون بخصوص هذه الحادثة: يجب تغليظ العقوبة. طيب سؤال: هو أصلا العقوبة متروكة للتقدير البشري حتى نقول نغلظها أو لا نغلظها؟ ألم تسمعوا قول الله تعالى: (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنفَ بِالْأَنفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ ) الحكم الشرعي هو القصاص. إن أراد صاحب الحق أن يتنازل فكما قال تعالى: (فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ) يعني يحط الله به من ذنوبه. لكن الحق يبقى له هو أن يقتص أو يعفو. هذه شريعة ربنا عز وجل. في الحديث الذي رواه البخاري أن يهوديا عَدَا في عَهْدِ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ علَى جَارِيَةٍ، فأخَذَ أوْضَاحًا كَانَتْ عَلَيْهَا (يعني حُلِيَّاً)، ورَضَخَ رَأْسَهَا (يعني كسر رأسها)، فأتَى بهَا أهْلُهَا رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وهي في آخِرِ رَمَقٍ وقدْ أُصْمِتَتْ (مش قادرة تتكلم)، فَقالَ لَهَا رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: مَن قَتَلَكِ؟ فُلَانٌ لِغَيْرِ الذي قَتَلَهَا، فأشَارَتْ برَأْسِهَا: أنْ لَا، قالَ: فذكر لها رجلا آخر، فأشَارَتْ: أنْ لَا، فَقالَ: فَفُلَانٌ (عن قَاتِلِهَا)، فأشَارَتْ: أنْ نَعَمْ..وفي رواية صحيحة أن اليهودي اعترف..فأمَرَ به رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَرُضِخَ رَأْسُهُ بيْنَ حَجَرَيْنِ. مثل ما عمل بالبنت. القصاص، سواء كانت بنتاً، ولداً، امرأةً، رجلاً… وفي الحديث الذي رواه البخاري أيضاً أن الرُّبَيِّعُ وهْيَ عَمَّةُ أنَسِ بنِ مَالِكٍ كَسَرَتِ ثَنِيَّةَ جَارِيَةٍ مِنَ الأنْصَارِ (يعني سِنَّاً من أسنانها)، فَطَلَبَ القَوْمُ القِصَاصَ، فأتَوُا النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فأمَرَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالقِصَاصِ…سن، نعم ومع ذلك أمر بالقصاص. لكن القوم قبلوا بالأرش بعد ذلك، يعني العوض. المسلم مُكَرم، ذكرا كان أو أنثى، وحقه معظم محفوظ في الشريعة ومن يريد أن يعتدي عليه فله رادع يكفه عن بغيه وعدوانه. فيا كرام، هذه الجريمة المدمية للقلب هي إحدى نتائج تغييب مجتمعاتنا لشريعة ربها عز وجل في أحكامها، في نظرتها للمطلقة، في اختيار الزوج، في التعامل مع المشاكل الأسرية. فنسأل الله أن يردنا إليه ردا جميلا لأنه والله ما نراه شيء بشع ومؤلم جدا. ونسأل الله أن يلطف بهذه الأخت وبأبنائها الذين شاهدوا هذا الحادث الأليم،وأن يربط على قلوبهم ويخفف عنهم، ونسأله تعالى أن ينور بصيرتها و يعوضها خيرا وأن يرزقها النظر إلى نعيم الجنة. والسلام عليكم.